سورة الأنفال - تفسير تفسير ابن الجوزي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الأنفال)


        


قوله تعالى: {واتقوا فتنةً} اختلفوا فيمن نزلت على أربعة أقوال.
أحدها: أنها نزلت في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم خاصة، قاله ابن عباس، والضحاك. وقال الزبير بن العوام: لقد قرأناها زماناً، وما نُرى أنَّا مِن أهلها، فاذا نحن المَعْنِيُّون بها.
والثاني: أنها نزلت في رجلين من قريش، قاله أبو صالح عن ابن عباس، ولم يسمِّهما.
والثالث: أنها عامة، قال ابن أبي طلحة عن ابن عباس: في هذه الآية، أمر الله المؤمنين أن لا يُقِرُّوا المنكر بين أظهرهم، فيعمهم الله بالعذاب. وقال مجاهد: هذه الآية لكم أيضاً.
والرابع: أنها نزلت في علي، وعمار، وطلحة، والزبير، قاله الحسن. وقال السدي: نزلت في أهل بدر خاصة، فأصابتهم يوم الجمل.
وفي الفتنة هاهنا سبعة أقوال.
أحدها: القتال. والثاني: الضلالة. والثالث: السكوت عن إنكار المنكر. والرابع: الاختبار. والخامس: الفتنة بالأموال والأولاد. والسادس: البلاء. والسابع: ظهور البدع. فأما قوله: {لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة} فقال الفراء: أمرهم، ثم نهاهم، وفيه طرف من الجزاء. وإن كان نهياً، كقوله: {يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنَّكم سليمان} [النمل: 18] أمرهم، ثم نهاهم؛ وفيه تأويل الجزاء. وقال الأخفش: {لا تصيبن} ليس بجواب، وإنما هو نهي بعد نهي؛ ولو كان جواباً ما دخلت النون. وذكر ابن الأنباري فيها قولين.
أحدهما: أن الكلام تأويله تأويل الخبر، إذ كان المعنى: إن لا يتَّقوها، تُصِبْ الذين ظلموا، أي: وغيرهم، أي: لا تقع بالظالمين دون غيرهم، لكنها تقع بالصالحين والطالحين؛ فلما ظهر الفعل ظهور النهي، والنهي راجع إلى معنى الأمر، إذ القائل يقول: لا تقم، يريد: دع القيام، ووقع مع هذا جواباً للأمر، أو كالجواب له، فأُكِّد له شبه النهي، فدخلت النون المعروف دخولها في النهي وما يضارعه.
والثاني: أنها نهي محض، معناه: لا يقصدنَّ الظالمون هذه الفتنة، فيهلكوا؛ فدخلت النون لتوكيد الاستقبال، كقوله: {لا يحطمنَّكم}. وللمفسرين في معنى الكلام قولان:
أحدهما: لا تصيبن الفتنةُ الذين ظلموا.
والثاني: لا يصيبن عقاب الفتنة. فان قيل: فما ذنب مَن لم يظلم؟ فالجواب: أنه بموافقته للأشرار، أو بسكوته عن الإنكار، أو بتركه للفرار، استحق العقوبة. وقد قرأ عليٌّ، وابن مسعود، وأُبيُّ بن كعب: {لَتصيبنَّ الذين ظلموا} بغير ألف.


قوله تعالى: {واذكروا إذْ أنتم قليلٌ} قال ابن عباس: نزلت في المهاجرين خاصة، كانت عِدَّتُهم قليلةً، وهم مقهورون في أرض مكة، يخافون أن يستلبهم المشركون. وفي المراد بالناس ثلاثة أقوال.
أحدها: أنهم أهل مكة، قاله ابن عباس. والثاني: فارس والروم، قاله وهب بن منبِّه. والثالث: أنهم المشركون الذين حضروا بدراً، والمسلمون قليلون يومئذ، قاله قتادة.
قوله تعالى: {فآواكم} فيه قولان:
أحدهما: فآواكم إلى المدينة بالهجرة، قاله ابن عباس والأكثرون.
والثاني: جعل لكم مأوى تسكنون فيه آمنين، ذكره الماوردي.
وفي قوله: {وأيدكم بنصره} قولان:
أحدهما: قوَّاكم بالملائكة يوم بدر، قاله الجمهور. والثاني: عضدكم بنصره في بدر وغيرها، قاله أبو سليمان الدمشقي. وفي قوله: {ورزقكم من الطيبات} قولان:
أحدهما: أنها الغنائم التي أحلَّها لهم، قاله السدي.
والثاني: أنها الخيرات التي مكنَّهم منها، ذكره الماوردي.


قوله تعالى: {لا تخونوا الله والرسول} اختلفوا فيمن نزلت على أربعة أقوال.
أحدها: أنها نزلت في أبي لبابة بن عبد المنذر، وذاك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما حاصر قريظة سألوه أن يصالحهم على ما صالح عليه بني النضير، على أن يسيروا إلى أرض الشام، فأبى أن يعطيَهم ذلك إلا أن ينزلوا على حكم سعد بن معاذ، فأبَوا، وقالوا: أرسل إلينا أبا لبابة، وكان مناصحاً لهم، لأن ولده وأهله كانوا عندهم، فبعثه إليهم، فقالوا: ما ترى، أننزل على حكم سعد بن معاذ؟ فأشار أبو لبابة بيده إلى حلقه: إنه الذبح فلا تفعلوا، فأطاعوه، فكانت تلك خيانته؛ قال أبو لبابة: فما زالت قدمايَ حتى عَرفتُ أني قد خنت الله ورسوله، ونزلت هذه الآية، هذا قول ابن عباس، والأكثرين. وروي أن أبا لبابة ربط نفسه بعد نزول هذه الآية إلى سارية من سواري المسجد، وقال: والله لا أذوق طعاماً ولا شراباً حتى أموتَ أو يتوب الله عليَّ، فمكث سبعة أيام كذلك، ثم تاب الله عليه، فقال: والله لا أَحُلُّ نفسي حتى يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي يَحُلنُّي، فجاء فحلَّه بيده، فقال أبو لبابة: إن من تمام توبتي أن أهجر دار قومي التي أصبت فيها الذنب، وأن أنخلع من مالي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يجزئك الثلث». والثاني: أن جبريل أتى رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن أبا سفيان في مكان كذا وكذا، فقال النبي الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: «اخرجوا إليه واكتموا» فكتب إليه رجل من المنافقين: إن محمداً يريدكم، فخذوا حذركم، فنزلت هذه الآية، قاله جابر بن عبد الله.
والثالث: أنها نزلت في قتل عثمان بن عفان، قاله المغيرة بن شعبة.
والرابع: أن قوماً كانوا يسمعون الحديث من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيفشونه حتى يبلغ المشركين، فنزلت هذه الآية، قاله السدي. وفي خيانة اللهِ قولان:
أحدهما: ترك فرائضه. والثاني: معصية رسوله. وفي خيانة الرسول قولان. أحدهما: مخالفته في السرِّ بعد طاعته في الظاهر. والثاني: ترك سنّته.
وفي المراد بالأمانات ثلاثة أقوال.
أحدها: أنها الفرائض، قاله ابن عباس. وفي خيانتها قولان. أحدهما: تنقيصها. والثاني: تركها.
والثاني: أنها الدِّين، قاله ابن زيد. فيكون المعنى: لا تُظهروا الإيمان وتُبطنوا الكفر.
والثالث: أنها عامة في خيانة كلِّ مُؤتَمَنٍ، ويؤكِّده نزولها في ما جرى لأبي لبابة.

2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9